(١)
بانورما
رائد البستنة في السودان
الشاذلي عوض الكريم أبونخيلة
ولد الشاذلي عوض الكريم بالمتمة عام ١٩١٠م والده عوض الكريم محمد أبونخيلة الذي كان أحد أبطال موقعة أبو طليح فكان الشبل من ذاك الأسد .
كان سودانياً مهموماً بقضايا أمته عامة و قضايا منطقته شندي الكبرى ، طليعي بالنشأة و الإكتساب وجدناه أمامنا من أهل الخبرة و الرؤية كبيراً سامياً بفكره و طموحه مقبولاً و محبوباً وسط قاعدته .
درس مرحلة الإبتدائية بشندي ثم المرحلة المتوسطة بربر و عطبرة ثم كلية غردون التذكارية بالخرطوم و عين مترجماً في حكومة السودان عام ١٩٣٥ م و بدأ عمله كمترجم في منطقة الكرمك مع مفتش المركز الإنجليزي ثم مع مفتش المركز بشندي الذي كان مسئولاً إدارياً و مالياً و قضائياً عن المنطقة .
إكتسب خبرة واسعة و معلومات ثرة و غزيرة في اللغة العربية و الإنجليزية ، فأوسع أفقه و زادت معرفته و تطور علمه و أصبح معين لا ينضب من الحكمة و الرؤية و بُعد النظر و بحراً زاخراً بالمعلومات و كان كالشمس في رابعة النهار يقدم العلم و المعرفة لمواطنيه و يساعدهم في جميع المشاكل التي تواجههم بمركز شندي مع المفتش الإنجليزي ثم ترك الترجمة و إلتحق بوزارة الزراعة في العام ١٩٤٥م التي وهبها كل شبابه و نظره و سمعه و قلبه و أخلص و تفانى في العمل و ألف الكتب في كيفية الزراعة و العناية بها و له في ذلك كتاب عن زراعة البساتين من ثلاثة أجزاء ما زال موجوداً في مصلحة البساتين بوزارة الزراعة و أيضاً كتاب الفواكه السودانية .
في عام ١٩٥٤م عند جلاء المستعمر سودن وظيفة مدير البساتين و كان أول سوداني مدير إدارة البساتين بالخرطوم .
ثم إنتقل إلى الشمالية عام ١٩٥٧م و عمل بها حتى عام ١٩٦١م و سعى في تلك الفترة سعياً حثيثاً في بستنة المديرية الشمالية الكبرى فأنشأ المشاتل الكبرى التي لا زالت موجودة في شندي و نوري و مروي و الباوقة و هو أول سوداني زرع ( القريب فروت ) بمشتل مدينة مروي ثم عمم زراعته في الولاية الشمالية الكبرى .
هو أول من زرع المانجو الصالحة للصادر حيث قام بإستجلاب المانجو من مصر و الهند إلى مشتل شندي الحكومي ، و له الفضل في إشهار شندي بتسمية المانجو ، حيث هي الآن من أشهر الأصناف و أجودها على الإطلاق و يرجع الفضل إلى هذا الرجل العملاق فهو يستحق أن يسمى الشارع الذي يعبر مشتل البساتين و الذي أسسه الشاذلي عوض الكريم و يربط شندي بكبري المشير عمر البشير بإسم شاذلي عوض الكريم تخليداً لذكرى هذا الرجل العظيم الذي رفع إسم شندي .
عاد بعد المعاش و بدأ العمل لتطوير منطقة شندي الكبرى و كان أحد ركائزها و أعمدتها يخطط و ينفذ هو و رفاقه مشاريع المياه و الكهرباء و أقاموا المدارس بمختلف مراحلها و مشاريع صحة البئة فجزاهم الله خير الجزاء عن أهلهم .
كان الشاذلي عوض الكريم شمعة تحترق لتضئ للآخرين من أجل الكمال الذي ينشده و هو أول من إبتدع عمل كأس النبوغ للمتفوقين من الأولاد و كأس الأم للمتفوقات من البنات و كان يقدمها سنوياً على نفقته الخاصة .
كان من خيرة المدراء الذين مروا على الزراعة بل كان نابغة .
كان يعمل بإسلوب خاص به و قد وظف علاقاته الواسعة و معرفته العميقة باللغة الإنجليزية و الثقافة الإنجليزية و جاذبيته الشخصية ، كل ذلك وظفه في خدمة منطقته شندي الكبرى و خدمة السودان عامة فكان من صفوة الصفوة بين السودانيين المتعلمين في ذلك الوقت ، و تشبع بالثقافة الإنجليزية بشكل لم يتح إلا للقليلين ، فكان ملء السمع ذكاء و فصاحة و كان ذو ثقافة و ذكاء و سعة أفق ، كان رحمه الله نسيج وحده بأدق معاني الكلمة في حياته و في فكره وسط أقرانه و كان أخاً و أباً و معلماً لرهطٍ كثيرين ، كما كان منزله مفتوحاً للضيوف و الموظفين فإنه من الذين أوقدوا شموع و مشاعل و بذل النفس و النفيس و لم يجدوا ما يستحقون في التوثيق و التكريم ، خرجوا من الدنيا كما دخلوها خفافاً إلا من إيمانهم .
إنتقل إلى رحاب الله تعالى عام ١٩٧٩م ، ألا رحمه الله أكثر مما قدم للبلاد و العباد .
✍ د. السيد محمد الطاهر
مدير الإدارة العامة للزراعة و البساتين و الثروة الحيوانية
محلية شندي