تحية للوطن – قريب الله الباز
أمل الرجوع
✍️م/ قريب الله محمد الباز السنهوري
” تحية للوطن… وأمل بالعودة”
تلك الصورة لملمح و معلم وسط الخرطوم عام 2021، تحديداََ “عمارة الذهب”، إحدى أبرز معالم الخرطوم التي لا يكاد أحد في السودان يمر من جوارها دون أن تترك في ذاكرته أثراً. فهي قلب المدينة التجاري الحي، شاهدة على تاريخ طويل و ذكريات لا تُنسى، و وجودها في الشارع يجعلها جزءََ لا يتجزأ من هوية الخرطوم، التي يحتفظ بها كل من مر بها تشعره و كأنها جزءٌ من نبضه اليومي. سافرت من الدوحة إلى الخرطوم بحكم إقامتي فيها لأؤدي إمتحاناََ و أعود لواجب العمل مرة أخرى ، لم أكن أعلم أنها ستكون لحظة وداعٍ لكل شارعٍ، و لكل زاويةٍ لي فيها ذكريات و مناظر أصبحت جزءً من حياتنا اليومية في الخرطوم. كنت حينها أظن أني سأعود مرة أخرى و الوطن أكثر منعة و قوة كما الحلم في كل مرة.
ألم الوطن
مرت الأيام، والوطن يستند إلى عصى الأمل المجبورة بوعود الحالمين. سمعت الكثير عن حال البلاد من القصص والحكاوي من الذين عاشوا تلك الأيام المظلمة خلال هذه الحرب، و من رأى ليس كمن سمع أن عاصمة النيلين، أصبحت مدينة مهجورة، شوارعها الخاوية تئن من ثقل المعارك. مدارسها التي كانت منارات للعلم تحولت إلى ملاجئ للنازحين، أسواقها نُهبت، مستشفياتها التي كانت ملاذاََ للمرضى أصبحت شاهدة على الألم، حدائقها الذابلة تحكي قصصاََ حزينة، و بيوتها الشامخة سابقاََ سقطت أسيرة للتدمير. كلما أتخيل تلك المشاهد، يعتصر قلبي ألماََ وشوقاََ.
الحنين للوطن
فمن منا لا يبكي حين يفارق وطنه؟ و من منا لا يحلم بيومٍ يعود فيه ليستنشق عبير أرضه؟ لا يهم إن كان وطنك صغيراََ أو فقيراََ في عيون الآخرين؛ فالوطن ليس مجرد أرض، بل هو شعور يسكُن القلب. مهما إبتعدنا، سيبقى الوطن هو الأمان، الحنين، والذكريات التي لا تفارقنا. الهجرة ليست هروباََ من الوطن، بل هي رحلة لتعلم المزيد كي نعود يوماََ و نعيد بناء ما فقدناه.
تأمل في هجرة النبي الكريم (ص) من مكة، حين أُجبر على مغادرتها و هو يحمل رسالته، لكنه عاد إليها بعد سنوات فاتحاََ ومنتصراََ. كان شوقه لمكة واضحاََ في عينيه حين سمع من صديق طفولته أُصَيل الغفاري عن جمالها و روعتها، فقال له: “دع القلوب تقرّ قرارها”. مكة كانت في قلب النبي صل الله عليه و سلم بالرغم من أنها “وادٍ غير ذي زرعٍ”، و لكنها كانت الوطن. فهل نختلف نحن؟ لا، فالوطن يسكن قلوبنا كما سكنت مكة قلب النبي صلى الله عليه وسلم. نتعلم أن فراق الوطن لا يعني النهاية، بل هو بداية لحلمٍ أكبر. نتعلم أن الهجرة لا تُبعدنا عن وطننا، بل تدفعنا للعمل بجد كي نعود أقوى. نتعلم أن الأمل لا يموت، و أن الحب الحقيقي للوطن يحفزنا على السعي لبناء مستقبل أفضل له.
نبض الأمل.
لن يتوقف نبض الوطن في قلوبنا، بل سيظل يذكّرنا بأننا صانعو مستقبله، وأن الألم الذي عشنا فيه لن يدوم طويلاً، بل سننهض وسنبني و نعيد الحياة إلى كل زاوية و كل شارع، واثقين في غدٍ مشرق لوطننا فالأمل يظل رفيقنا مهما كانت التحديات. سنعود إلى وطننا، ليس بالأيدي الفارغة، بل بالعلم والعمل و الأمل. سنبني و نعيد الإعمار، و ننثر بذور الخير في كل ركن. ربما نكون قد غادرنا، لكن حُب الوطن يسكن في أعماقنا، و الحنين هو ما يجعلنا نعمل و نتعلم كي نعود إليه يوماََ و نحن أقوى و أكثر تصميماََ على أن نعيد له مجده و مكانته الرائدة بين الأمم و العالم أجمعين،،،.
و عليك السلام و رحمة الله يا وطن.
بقلم /قريب الله السنهوري
الدوحة – قطر
Pages: 1 2